تأثير محولات الطاقة الإلكترونية المدمجة بالشبكة على استقراريه منظومة القدرة
"الكهرباء نظام لا يعمل إلا داخل نظام"
المهندس
طارق الجميلي
المقدمة
تعرف منظومة القدرة بأنها شبكة كبيرة من الأجهزة الكهربائية المترابطة مع بعضها كنظام متكامل بهدف توليد ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية لمستخدميها
وكلما توسعت الشبكة التي يشير إليها التعريف كلما تعقدت عملية إدارتها وتشغيلها والسيطرة عليها.
لكون منظومة القدرة هي منظومة عالية الدرجة من اللا خطية التي يتأثر أداؤها الديناميكي بحشد من الأجهزة ذات خصائص واستجابات وردود أفعال مختلفة, لذا فإن استقراريه المنظومة يجب ألا ينظر لها وكأنها مسألة مفردة، ولكن يجب النظر إليها من جوانب متعددة.
وبسبب الطبيعة الديناميكية لمنظومة القدرة فإن استقراريتها يشابه استقراريه أي نظام ديناميكي ولها أسس رياضية أساسية لدراستها.
لقد جرت خلال السنوات ال20 الماضية محاولات عديدة لوضع تعريف لاستقراريه منظومات القدرة فصدرت وثيقة مهمة عام 2004 وتم تحديثها وتوسيعها عام 2021 نتيجة التحولات المهمة التي حصلت في منظومة القدرة التي اشتملت زيادة التوسع في استخدام المعدات التي ترتبط مع منظومة القدرة بواسطة الكترونيات القدرة العالية والتي يصطلح عليها محولات الطاقة الإلكترونية المدمجة بالشبكة.
ومن بين هذه المعدات التي تستخدم هذه التقنيات
· مصادر توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة. PV , Wind
· تقنيات خزن الطاقة الكهربائية المتعددة. Energy Storage
· منظومة نقل التيار المتناوب المرنة. FACTS
· الأحمال التي تستخدم إلكترونيات القدرة العالية كالسيارات الكهربائية. EV
· منظومات التيار المستمر فولتية عالية HVDC – High Voltage Direct Current .
وتتنوع محولات الطاقة الإلكترونية من حيث الاستخدام ونوعية أشباه الموصلات كما هو واضح في الشكل أدناه.

أن الغرض ألأساسي لتصنيف استقراريه منظومة القدرة الى فئات هو دراسة وتحليل الظواهر المتعلقة بكل فئة ضمن المجال الزمني المحدد لها واتخاذ الإجراءات اللازمة من النواحي التصميمية والتشغيلية لضمان استقراريه منظومة القدرة.
وسيتم التركيز في هذا البحث على تأثير هذه التقنيات على مفهوم استقراريه منظومة القدرة وفقا لآخر الأدبيات المنشورة على أمل أن يساهم ذلك في لفت الانتباه إلى التحديات المستقبلية التي يمكن أن تواجهها منظومة القدرة العراقية الكهربائية عند ادخال 12 كيكاواط من الطاقة الشمسية المزمع إدخالها الى المنظومة العراقية بحلول 2030.
وصف منظومة القدرة
توصف منظومة القدرة بانها منظومة عالية الدرجة من اللاخطية, وكما هو معروف فإن النظام اللاخطي بالمعنى الرياضي يعني أن تمثيله يتم بمجموعة من المعادلات غير الخطية التي يمكن أن تكون معادلات جبرية, تفاضلية, تكاملية, الخ أو مزيج من بين تلك المعادلات.
من ناحية أخرى فإن النظام الديناميكي يرادف نظام رياضي أو فيزيائي حيث يكون فيه سلوك المخرجات متغيرا مع الزمن ومع العوامل الخارجية التي تؤثر على النظام لذا يشار إلى استجابات النظام وسلوكياته باسم ديناميكية النظام.
تتأتى لاخطية النظام الكهربائي من عدم خطية علاقة القدرة مع زاوية الدوار ومن نواتج حاصل ضرب كميات غير خطية أي الفولتية والتيار ومحددات عمل وحدات السيطرة إضافة إلى التشبع في الدوائر المغناطيسية.
و تتنوع الظواهر الديناميكية المصاحبة لمنظومة القدرة وتختلف الأزمان الديناميكية لها كما سنبين لاحقا, كان التركيز في منظومات القدرة التقليدية على النطاق الزمني بين ثلاثة إلى 5 ثانية للاضطرابات العابرة التي قد تمتد إلى عشرة إلى 20 ثانيه.
حتى نهاية السبعينات في القرن الماضي كانت استقراريه منظومة القدرة تركز على استقراريه المولدات التزامنية والتوازن بين العزم الكهربائي والميكانيكي داخل المولد.
التوسع في دمج معدات إلكترونيات القوى مع منظومة القدرة قد وسع النطاق الزمني للظواهر الديناميكية وهذا يتطلب الاهتمام بالظواهر الديناميكية الجديدة ويضيف صعوبات جمة لدراسة وتحليل السلوك الديناميكي لمنظومة القدرة ضمن النطاق الزمني واحد إلى 100 مايكرو ثانية.
إن الديناميكية الحركية لمنظومات القدرة التقليدية التي تعتمد المولدات التزامنية يتم دراستها وتحليلها ضمن نطاق زمني واحد إلى عشرة ملي ثانيه يمكن تبسيطه على تمثيلها إلى حد ما مما يساعد في توصيف وتحليل الظواهر الديناميكية المصاحبة للحالات العابرة
في أحد أهم التبسيط ات الرياضية هو افتراض الشكل الجيبي للفولتية والتيار.
استقراريه منظومة القدرة
تعرف استقراريه المنظومة الكهربائية هي قدرة المنظومة على العودة لحالتها الطبيعية واشتغالها المستقر بعد تعرضها لشكل من أشكال الاضطراب.
تقليديا يتم تصنيف استقراريه منظومة القدرة إلى ثلاث فئات وهي:
· استقراريه زاوية العضو الدوار في المولدات
· استقراريه الجهد أو استقراريه الفولتية
· استقراريه التردد
ويتراوح تأثيرات الاضطرابات على هذه العوامل في المجال الزمني بين القصيرة والطويلة وحسب ما يتضح في الشكل أدناه.
حيث كان يتم التركيز على تأثير الظواهر الكهروميكانيكية البطيئة إلى حد ما على استقراريه منظومة القدرة وترتبط هذه الظواهر الكهروميكانيكية مع المكائن التزامنية ومنظومات الحث المرتبطة بها.
تم شرح هذه الفئات من الاستقرارية بشكل مفصل في كتاب " استقرارية أنظمة القدرة" للأستاذ الدكتور محمد توفيق لازم لذا لن يتم تناوله في هذا البحث.

مع زيادة انتشار محولات القدرة العالية المدمجة بالشبكة في منظومة القدرة والتغييرات في ديناميكية المنظومة التي أشرنا إليها سابقا تم إضافة فئتين جديدتين لاستقراريه منظومة القدرة كما هو واضح في الشكل وهما:
· استقراريه الرنين.
· الاستقرارية الناجمة عن دمج معدات الكترونيات القوة.
تقع هذه هاذين الفئتين ضمن المدى الزمني والظواهر الديناميكية الموجية كما موضح في الشكل وهي التموراتSurges ونقصد بها الاندفاعات القوية الفجائية للفولتيات أو التيارات الناجمة عن ضربات الصواعق وعمليات الفتح والغلق ويتم نظريا تشبيه هذه التمورات بفولتية دافعية. وسيتم تناول هذه الفئات بشكل من التفصيل لأهميتها في المنظومات الحديثة المعتمدة على مصادر الطاقة المتجددة.

الظواهر الديناميكية لنظام الطاقة
تتكون منظومة القدرة الكهربائية من العديد من العناصر المترابطة لتشكيل نظام ضخم ومعقد وديناميكي قادر على توليد ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية على مساحة جغرافية واسعة. وبسبب هذا الترابط بين العناصر، يُمكن حدوث تفاعلات ديناميكية متنوعة، بعضها يؤثر فقط على بعض العناصر، والبعض الآخر على أجزاء من النظام، بينما قد يؤثر البعض الآخر على النظام ككل.
ونظرًا لأن كل تأثير ديناميكي يتميز بخصائص فريدة، يُمكن تقسيم ديناميكيات نظام الطاقة بسهولة إلى مجموعات تتميز بأسبابها، ونتائجها، وإطارها الزمني، وخصائصها الفيزيائية، أو مكان حدوثها في النظام.
ومن أهم العوامل التي تُثير الاهتمام كيفية استجابة نظام الطاقة الكهربائية للطلب المتغير على الطاقة ولأنواع الاضطرابات المختلفة، وهما السببان الرئيسيان لديناميكيات نظام الطاقة.
يُدخل الطلب المتغير على الطاقة طيفًا واسعًا من التغيرات الديناميكية في منظومة القدرة الكهربائية، يحدث كل منها على نطاق زمني مختلف.
في هذا السياق، تنجم أسرع الديناميكيات عن التغيرات المفاجئة في الطلب، وترتبط بنقل الطاقة بين الكتل الدوارة في المولدات والأحمال.
تكون إجراءات التحكم في الجهد والتردد اللازمة للحفاظ على ظروف تشغيل النظام أبطأ قليلاً حتى تظهر أخيرًا الديناميكيات البطيئة جدًا، والتي تتوافق مع طريقة تعديل التوليد لتلبية تغيرات الطلب اليومي البطيئة.
وبالمثل، فإن طريقة استجابة النظام للاضطرابات تغطي أيضًا طيفًا واسعًا من الديناميكيات والأطر الزمنية المرتبطة بها.
في هذه الحالة، تكون أسرع الديناميكيات هي تلك المرتبطة بظواهر الموجات السريعة جدًا التي تحدث في خطوط نقل الجهد العالي.
وتتبعها تغيرات كهرومغناطيسية سريعة في الآلات الكهربائية نفسها قبل أن تحدث تذبذبات كهروميكانيكية بطيئة نسبيًا للعضو الدوار في المولدات.
وأخيرًا، يبدأ تأثير المحرك الرئيسي البطيء جدًا وإجراءات التحكم التلقائي في التوليد.
بناءً على خصائصها الفيزيائية، يمكن تقسيم ديناميكيات أنظمة الطاقة المختلفة إلى أربع مجموعات تُعرف على أنها: موجية، وكهرومغناطيسية، وكهروميكانيكية، وديناميكية حرارية.
يتوافق هذا التصنيف أيضًا مع الإطار الزمني المعني، كما هو موضح في الشكل ادناه على الرغم من أن هذا التصنيف الواسع مناسب، إلا أنه ليس مطلقًا بأي حال من الأحوال، حيث تنتمي بعض الديناميكيات إلى مجموعتين أو أكثر، بينما يقع البعض الآخر على الحدود بين المجموعات.
يوضح الشكل ادناه أن أسرع الديناميكيات هي الظواهر الديناميكية الموجية ان تأثيرات الموجة، أو التمورات في خطوط النقل عالية الجهد، وتتوافق مع انتشار الموجات الكهرومغناطيسية الناتجة عن الصواعق أو عمليات الفتح والغلق.
يتراوح الإطار الزمني لهذه الديناميكيات من ميكروثانية إلى ميلي ثانية.
تكون الديناميكيات الكهرومغناطيسية التي تحدث في ملفات المكائن أبطأ من الديناميكيات الموجية، وتحدث بعد حدوث اضطراب في المنظومة، اواشتغال منظومات الحماية، او نتيجة التفاعل بين المكائن الكهربائية والشبكة، حيث يتراوح إطارها الزمني من ميلي ثانية إلى ثانية واحدة.
أما الديناميكيات الكهروميكانيكية فهي أبطأ بسبب تذبذب الكتل الدوارة للمولدات والمحركات، والذي يحدث بعد أي اضطراب، اشتغال منظومات الحماية، آو منظومات التحكم والسيطرة على الجهد او اشتغال سيطرة المدور الاولي. وتتراوح مدة هذه الديناميكيات بين ثوانٍ وعدة ثوانٍ.
أما أبطأها فهي التغيرات الديناميكية الحرارية الناتجة عن عمل التحكم في الغلايات في محطات الطاقة البخارية، او التحكم بتدفق المياه في حالة المحطات الكهرومائية مع تطبيق متطلبات التحكم الآلي في التوليد.

استقراريه الرنين
يحدث الرنين عندما يحدث تبادل الطاقة بشكل دوري بطريقة متذبذبة، تنمو هذه التذبذبات في حالة عدم كفاية تبديد هذه الطاقة وتتجلي في منظومة القدرة الكهربائية بزيادة الجهد أو التيار أو عزم الدوران.
عند تجاوز هذه التذبذبات حد معين يقال بأن عدم استقراريه الرنين قد حدثت وتصنف استقراريه الرنين إلى:
· الرنين الالتوائي
· الرنين الكهربائي
يحدث الرنين الالتوائي بين خطوط النقل ذات التعويض المتوالي ومنظومة التدوير للمولدة، أما الثاني فهو رنين كهربائي بحت ويسمى تأثير مولد الحث.
الرنين الالتوائي أو الرنين دون التزامني (SSR) Sub-Synchronous Resonance
تميل الخطوط ذات التعويض المتوالي للتفاعل البيني مع منظومة تدوير المولد (التوربين -المولد) "يتطابق تردد الرنين مع التردد الطبيعي لمنظومة التدوير للمولدة وهذا يمكن أن يخلق تذبذبات غير مخمده بين الشبكة ومنظومة التدوير للمولد"
وتكون هذه التذبذبات دون تزامنية، إن ظاهرة الرنين دون التزامنية تؤدي إلى التواء محاور الدوران لمنظومة التدوير مسببة تسليط إجهادات ميكانيكية على تلك المحاور بل وربما إلى تدميرها.
وتزود معدات الخطوط ذات التعويض المتوالي بوحدات إلكترونية ومنظومات سيطرة للتخفيف من خطر الرنين شبه المتزامن و تخميد الرنين.
تفاعل دون التزامني لوحدة التحكم Sub-Synchronous Controller Interaction
يمكن لمنظومة التدوير للمولد أن تتفاعل مع وحدات التحكم في محولات الطاقة الإلكترونية مؤدية إلى خلق تذبذبات دون تزامنية كما يحدث بين الخطوط ذات التعويض المتوالي ومنظومة التدوير للمولد ,وهنا ظهرت حالة عدم الاستقرار الناجمة عن وحدات التحكم الإلكترونية عدم استقراريه الرنين مرة أخرى, حيث تتأرجح سعة الفولتية والتيار بتردد غير التردد الأساس وقد يزداد بشكل كبير مما يؤدي إلى فصل محولات الطاقة الإلكترونية المرتبطة بالشبكة, وغالبا ما يكون تأثير عدم استقراريه الرنين لوحدات التحكم لمحولات الطاقة الإلكترونية محلي إلا أن ذلك قد يؤدي إلى أحداث متوالية تؤثر على استقراريه فولتية الشبكة ككل.
الرنين الكهربائي Induction Generator Effect (IGE)
إن هذه الظاهرة ترتبط بالمولدات الحثية التي تستخدم في منظومات توليد الطاقة الكهربائية من الرياح, ويرجع ذلك بأن المولدات الحثية مزدوجة التغذية ذات السرعة المتغيرة ترتبط بالشبكة مما يحرض الإثارة الذاتية للرنين الكهربائي بين المولد الحثي وبين خط النقل ذو التعويض المتوالي وهنا يحدث الرنين الكهربائي دون التزامني الذي يتصاحب مع تذبذب عالي في التيار والجهد قد يؤدي إلى الضرر بالمعدات الكهربائية في المولد أو منظومة النقل وقد يؤدي الاضطراب الكبير في عزم الدوران الكهربائي إلى تلف ميكانيكي توربين الهواء للمولد (على سبيل المثال صندوق التروس).
الاستقرارية الناجمة عن استخدام محولات الطاقة المرتبطة بالشبكة
يختلف السلوك الديناميكي لمعدات التوليد المعتمدة على محولات الطاقة المرتبطة بالشبكة عن المولدات التزامنية التقليدية حيث يسود استخدام محولات الطاقة ذات مصدر جهد المرتبطة بالشبكة وتستند معدات التوليد المعتمدة على محولات الطاقة المرتبطة بالشبكة على دوائر التحكم والخوارزميات ذات أوقات الاستجابة السريعة.
إن المدى الواسع للترددات المستخدمة في محولات الطاقة وملحقاتها يؤدي إلى التداخل مع ترددات الظواهر الديناميكية الكهروميكانيكية للمكائن وترددات الظواهر الكهرومغناطيسية الديناميكية للشبكة, مما يؤدي إلى تذبذبات غير مستقرة لمنظومة الطاقة وبنطاق تردد واسع وتتراوح هذه التأثيرات بهذا التداخل بين السريعة والبطيئة واعتمادا على تردد الظواهر يتم تقسيم عدم الاستقرارية.
التداخلات السريعة
تتضمن هذه الأنواع من عدم الاستقرار مشاكل استقرار على مستوى النظام، ناتجة عن تفاعلات ديناميكية سريعة بين أنظمة التحكم في الأنظمة القائمة على إلكترونيات الطاقة، مثل
· مصادر توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة. PV , Wind
· تقنيات خزن الطاقة الكهربائية المتعددة. Energy Storage
· منظومة نقل التيار المتناوب المرنة. FACTS
· الأحمال التي تستخدم إلكترونيات القدرة العالية كالسيارات الكهربائية. EV
· منظومات التيار المستمر فولتية عالية HVDC – High Voltage Direct Current .
التداخلات البطيئة
يشمل هذا النوع من عدم الاستقرار ,عدم استقرار على مستوى النظام، ناتج عن تفاعلات ديناميكية بطيئة بين أنظمة التحكم في الأجهزة القائمة على إلكترونيات الطاقة ومكونات بطيئة الاستجابة في نظام الطاقة، مثل الديناميكيات الكهروميكانيكية للمولدات المتزامنة وبعض وحدات تحكم المولدات. يشبه هذا النوع من عدم الاستقرار الناتج عن المحول استقرار الجهد، حيث إن أقصى نقل للطاقة بين المحول وباقي النظام، أي ضعف النظام، قد يكون السبب الجذري لعدم الاستقرار. تختلف الآليتان من حيث أن عدم استقرار الجهد مدفوع بالأحمال، بينما يرتبط عدم استقرار المحول بعناصر تحكم محول إلكترونيات الطاقة.